مرض السرطان أعاذنا الله وإياكم والمسلمين من كل سوء، من أكثر الأمراض التي شغلت وما زالت تشغل اهتمام العلماء حول العالم لمحاولة فهم ماهيته. وكما هو معلومٌ أنه لا يمكن علاج أي مرضٍ بدون معرفة تفاصيل حدوثة ومنشأه، لهذا السبب فإن علاج مرض السرطان هذه الأيام غير مبنيٍّ على دراساتٍ كافيةٍ للقضاء عليه. ولا يستطيع أحد أن يجزم بأننا نعرف أكثر من 5% من طبيعة هذا المرض. وعلى الرغم من هذا فإن هذه الخمسة في المئة يطول شرحها؛ لذا سأستعين ببعض الأمثلة من التدوينة السابقة “ما هو الحمض النووي؟“.
كما نعلم فإن الجسم البشري يتكون من تريليونات من الخلايا؛ سنحتاج إلى تحويل الخلية في هذه الأمثلة إلى شخصٍ ليسهُل الفهم. هذا المرض دائمًا وأبدًا يبدأ من خليةٍ واحدةٍ -شخص واحد- وهذه من أهم قواعد المرض التي تدرّس في الكليات. إذاً ما الذي يحتاجه عضوٌ في المجتمع -خلية- ليصبح قويًا كمًّا وكيفًا بما فيه الكفاية ليهزم المجتمع كاملاً؟؟!
الشرط الأول هو الإكتفاء الذاتي: تحتاج الخلية لأن تكتفي بذاتها وتكون سيدة نفسها في التحكم في انقساماتها وتحركاتها، وستخرج عن النظام الهرموني والعصبي في الجسم. وستحاول الحصول على عوامل النمو بدون مرورٍ على الأنظمة التي تسمح بهذا في الجسم مثل الهرمونات أو ستسخره لمصالحها.
-صورة بالمجهر الإلكتروني لخلية سرطانية مكبرة من رئة مصابة بالسرطان-
الشرط الثاني هو التهرب من أنظمة العقاب: هذا ما تفعله الخلية؛ لأنها تعلم أنها مطاردةٌ من قِبَلِ جهاز المناعة في الجسم فتحذف أجزاءً من حمضها النووي التي لو تم قرائتها لكشف أمرها٬ وينطبق الكلام على -عضو المجتمع- فسيحرص على الهرب أو الإختباء.
الشرط الثالث هو أن تهرب من نظام الإنتحار الذاتي المبرمج داخل كل خلية: هنا تظهر عظمة الخالق سبحانه وتعالى، لو رجعنا إلى صديقنا -عضو المجتمع- سنجد صعوبة في تطبيق هذا الشرط عليه، لأنه يعني في حالته إحساسه بالذنب لما فعل ، غالبًا لن يتراجع لمجرد أنه أحس بالذنب، لكن الخلية ستفعل وستنتحر في الفور إذا لم تثبط هذا النظام فورًا -هذا النظام يعمل في الحالات التي تشعر الخلية بأن هنالك مشاكلاً وأعطالاً كبيرةً جدًا وغير قابلةٍ للتعديل في الحمض النووي-.
الشرط الرابع هو القدرة الكبيرة على التكاثر: وهذا الشرط تكمن أهميته في أن نظام المناعة غالبًا ما يتعرف على الخلايا المسرطنة “أبناء الخلية الأم” وتقتل بعضها. فإذا لم تكن الخلية تكاثرت بعددٍ كافي لاستمراريتها فسوف يفشل المشروع بعد فترةٍ قصيرة. غالبَا ما تكون على بتفعيل إنزيمات لإطالة عُمرِ الحمض النووي وما تسمى بالـ Telomerase.
الشرط الخامس وهو من أهم الشروط شرط الأكل والشرب: كيف لهذا المشروع أن يكتمل بدون غذاءٍ وأوعيةٍ دمويةٍ جديدة تبثّ الدم الممتلىء بالغذاء على الخلايا السرطانية؟ لذا تحرص الكتلة السرطانية على إنشاء أوعيةٍ دمويةٍ جديدةٍ خاصةً بها. -يشبه كثيرًا طلب مدِّ الكهرباء والمياه لمخطط- تحتاج إلى تجاوز الأنظمة في أحد البلديات أو وزارة المياه لتصل إليك الأنابيب، والخلية تغير بعض الصفحات في الحمض النووي لجعل هذه الشرايين تتوجه إليها مباشرةً-.
-صورة هستولوجية لخلية سرطانية منتقلة لأحد أعضاء الجسم عن طريق الأوعية اللمفاوية-
ونلحظ هنا أن عملية تحول الخلية إلى خليةٍ سرطانيةٍ عمليةٌ متعبةٌ وطويلةٌ؛ لذا أثبت العلماء أن هذه العملية تأخذ سنواتٍ حتى تصبح ورمًا محسوساَ، أي ان الخلية الأم كانت مسرطنةً قبل ظهور الورم بسنواتٍ عديدةٍ. هذه الشروط الخمسة ليست إلا مقدمةً بسيطةً في علم الاورام، وسيحتاج الحديث عن أسبابٍ لهذه الظواهر مناسبات أخرى، ولكن نأمل أن نرى في السنين القادمة علماء عرباً ومسلمين يضيفون لهذا العلم ويدخلون التاريخ من أحد أشرف أبوابه. عافى الله المبتلين بهذا المرض في كل مكان وزمان وأثابهم خيراً. اللهم احمِنا وأهلينا وأحبابنا والمسلمين من سيء الأسقام؛ اللهم آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق